الخميس، 4 أبريل 2013

هل حرَّمت الدولة العثمانية الطابعة من دخول أراضيها ؟



هل حرَّمت الدولة العثمانية الطابعة من دخول أراضيها ؟ وهل إنشاء أول مطبعة رسمية في الدولة عام ( 1727 م ) بعد أكثر من 250 عام من اختراعها واستعمالها في أوروپا عام( 1455 م ) يدل على معاداة الدولة العثمانية للعلم و التقنية الحديثة ؟


من أحد أبرز الشبهات التي لاقتها ألسن كثيرة و يستخدم دائمًا كدليل ضد الدولة العثمانية دون معرفة تفاصيل حقيقية عن هذا الموضوع المهم وقبل الدخول في صلب الرد أود أن أذكر أنه بعد وفاة السلطان سليمان القانوني 1566 م الذي بلغت في عهده الدولة أوج عظمتها و اتساعها  وقوتها بدء الضعف والإهمال يدب في صلب الدولة رويدًا رويدًا فضعفت الحركة العلمية بالتدريج ولم تصبح مثل سابق عهدها من قوة ولم تعد الدولة تعير أهمية للتطورات الاقتصادية والعلمية الحادثة في العالم ولا شك أنها دفعت فيما بعد ثمن هذا التصرف .

من المعروف و متداول أن يوهانس گوتنبرگ المخترع الألماني هو أول من قام باختراع الطابعة عام  1455 م ولكن هذه المعلومة المشهورة يعتريها خطأ تاريخي فـ گوتنبرگ لم يخترع المطبعة عام 1455 بل عمل فقط على تطوير فن الطباعة لأن فن الطباعة ظهر في القرن الثامن الميلادي في الصين وحسب رأي بعض الباحثين ظهر عند أتراك الأويغور و هم عرق تركي مسلم سني والأوساط العلمية الآن تقبل بأن أتراك الأويغور لعبوا دورًا أهم من الصينيين في نقل الطباعة إلى أوروپا . كما لم يكن گوتنبرگ الشخص الذي اخترع أحرف الطباعة المتحركة لأن أتراك الأويغور وكذلك الكوريين كانوا أول من استعملوا هذه الأحرف في القرن الرابع عشر الميلادي . أي ظهرت الطباعة بهذا الشكل في أوروپا في القرن الرابع عشر الميلادي وبفضل جهود گوتنبرگ أصبح من الممكن طبع الإنجيل في المطبعة عام 1455 أي في القرن الخامس عشر الميلادي .

تاريخ دخول أول مطبعة إلى الدولة العثمانية يرجع إلى العام 1488 م وليس إلى عام  1727 م أي بعد 33 عامًا فقط من إنشائها في أوروپا فدشن اليهود مطابعهم في هذا العام والأرمن في 1567 و الروم 1672 حتى أنه تم طبع 19 كتابًا في عهد السلطان بايزيد الثاني بن السلطان محمد الفاتح (حكم من 1481 إلى 1512 وكذلك 33 كتابًا في عهد السلطان سليم الأول حكم من 1512 إلى 1520 وتوجد حتى الآن عبارة طُبع هذا الكتاب تحت رعاية السلطان بايزيد الثاني على بعض الكتب . أضف لهذا إجازة السلطان مراد الثالث حكم من 1573 إلى 1595 بيع كتاب أصول أقليدس المطبوع بالعربية بكل حرية بفرمانه المؤرخ عام 1588 .

يذكر المؤرخ العثماني مصطفى نوري باشا أنه تُقدم بإذن لإنشاء مطبعة للدولة في عهد السلطان مراد الرابع حكم من 1623 م إلى 1640 م  ولكنها لم تتحقق بصورة عملية إلا في عام 1727 م كما يذكر المؤرخ عطا بأن أول محاولة لتأسيس مطبعة بدأت في عهد السلطان محمد الرابع حكم من 1648 م إلى 1687 م  .
و بناء على هذا يتضح أن تاريخ أول مطبعة رسمية في الدولة هو 1727م وليس هو تاريخ دخول أول مطبعة إلى الدولة العثمانية وأنه قد تم طبع كتب في إسطنبول و حلب إعتبارًا من القرن الرابع عشر .

أسباب عدم استساغة الدولة بشكل رسمي للطابعة :

أ- في الحقيقة مهما كانت الأسباب فإنه ليس هناك عذر للدولة العثمانية في بقائها بعيدة عن التكنولوجيا الجديدة ولكن يمكن القول بأن هناك عدة أسباب منها ما يذكره الكونت مارسيكلي بأنه كان هناك 90 ألف خطاط في إسطنبول وحدها في عام 1727م و حتى لو قبلنا بنصف هذا الرقم فهو رقم كبير و قد كان للموقف الرافض للمستنسخين و المجلدين وصناع الأقلام و الاحبار و ما شابههم للمطبعة و وقوفهم ضدها أثرًا كبيرًا في تأخير تأسيس المطبعة الرسمية هذا الوقت من الزمن .
يقول الكونت مارسيكلي : لا يقوم الأتراك في الحقيقة بطبع كتبهم ولا يرجع هذا أبدًا كما قد يُظن إلى كون طبع الكتب في المطبعة ممنوعًا عندهم .

ب- من الممكن و المحتمل أن بعض مدعي العلم قد أفتوا بعدم جواز إنشاء المطبعة وحرمتها وقد حدث نفس الأمر في أوروپا أيضًا ففي عام 1501م أصدر البابا "ألكسندر السادس أمرًا بحرق الكتب التي طُبعت دون رخص و قام هنري الثاني ملك فرنسا بإعدام كل من يطبع كتب دون رخصة .

تأسيس المطبعة :

تم تأسيس المطبعة الرسمية للدولة في عهد السلطان أحمد الثالث بسعي من الصدر الأعظم " الداماد إبراهيم پاشا و في عام 1720م أرسل الصدر الأعظم السيد "محمد چلبي سفيرًا للدولة العثمانية في باريس وتيسرت له في السنوات التي قضاها في باريس مشاهدة وتدقيق المطابع عن قرب وتم تأسيس المطبعة بعد عودته لإسطنبول وتم كتابة اللوائح الخاصة بالمطبعة وتقديمها إلى الصدر الأعظم وحول الصدر الأعظم هذه اللائحة إلى شيخ الإسلام الذي أجاب هذا الجواب التاريخي : إن قيام الماهرين في صناعة الطباعة بالطبع بشكل صحيح ودون أخطاء في وقت قصير ودون مشقة سيؤدي إلى زيادة عدد نسخ الكتب وانتشارها بأسعار رخيصة ولكن يجب تصحيح هذه الكتب من قبل العلماء .
وبعد صدور الفتوى صدر الفرمان السلطاني في عام 1727م وفي عام 1729م طُبع أول كتاب في المطبعة الرسمية للدولة وهو معجم وان قولو وكان هذا الفرمان السلطاني يمنع طباعة كتب التفسير والحديث والفقه وعلم الكلام لبعض الوقت خوفًا من طباعتهم وحدوث أخطاء بهم .
الخلاصة أن المطبعة لم تتأخر 272 عامًا في الدخول للدولة العثمانية بل 33 عامًا فقط ولكن تأسيس المطبعة الرسمية وطبع الكتب تأخر مع الأسف 200 عامًا للأسباب التي ذكرناها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق